ثالثًا: عفوه عن الضعفاء أثناء الحروب
"إذ أمر جنوده أن يعفوا عن الضعفاء، والمسنين، والأطفال، والنساء، وحذرهم أن يهدموا البيوت
أو يسلبوا التجار، أو أن يقطعوا الأشجار المثمرة" [5] .
وقد كان محمد ~ صلى الله عليه و سلم ~ ينبه على هذه التعليمات، ويوصي بها جنوده، ويأخذ
عليهم العهود في ذلك، باعتباره القائد العام للقوات المسلحة .
رابعًا: عفوه عن الأعراب الغلاظ
1- الأعرابي الذي رد على النبي ~ صلى الله عليه و سلم ~ بوقاحة:
قال أبو موسى الأشعري: كنت عند النبي ~ صلى الله عليه و سلم ~ وهو نازل بالجعرانة بين
مكة والمدينة ومعه بلال، فأتى النبيَّ ~ صلى الله عليه و سلم ~ أعرابيُ، فقال: ألا تنجز لي ما
وعدتني؟ فقال له: " أبشر" فقال: قد أكثرت عليَّ من أبشر!! فأقبل على أبي موسى وبلال
كهيئة الغضبان، فقال: "رد البشرى، فاقبلا أنتما!!" قالا: قبلنا. ثم دعا بقدح فيه ماء فغسل يديه
ووجهه فيه، ومج فيه ثم قال: "اشربا منه، وأفرغا على وجوهكما ونحوركما وأبشرا !" فأخذا
القدح ففعلا، فنادت أم سلمة من وراء الستر أن أفضلا لأمكما، فأفضلا لها منه طائفة [6] .
2- الأعرابي الذي اتهم النبي ~ صلى الله عليه و سلم ~ بالظلم:
لما كان يوم حنين [شوال 8 هـ/ يناير 630 م]، ويوم توزيع الغنائم على الجيش، آثر رسول الله ~
صلى الله عليه و سلم ~ ناسًا في القسمة، فأعطى أناسًا أسلموا حديثًا و أناسًا من أشراف
العرب، وآثرهم يومئذ في القسمة، فقال رجل من الأعراب: والله ! إن هذه القسمة ما عدل فيها
وما أريد فيها وجه الله !. فرفع الصحابي عبد الله بن مسعود إلى حضرة النبي تقريرًا بذلك.
فتغير وجه النبي ~ صلى الله عليه و سلم ~ حتى كان كالصرف. ثم قال: "فمن يعدل إن
لم يعدل الله ورسوله؟!" ثم قال: "يرحم الله موسى؛ قد أوذي بأكثر من هذا فصبر" [7] .
3- الأعرابي الذي قابل إحسان النبي بالإساءة :
عن أبي هريرة ، أن أعرابيا ، جاء إلى النبي -صلى الله عليه وسلم -يستعينه في شيء ،
فأعطاه شيئا ، ثم قال :" أحسنت إليك ؟ "
فقال الأعرابي : لا ، ولا أجملت !
قال : فغضب المسلمون ، وقاموا إليه ، فأشار إليهم أن كفوا .
ثم قام النبي -صلى الله عليه وسلم - فدخل منزله ، ثم أرسل إلى الأعرابي ، فدعاه إلى البيت ،
فقال : "إنك جئتنا فسألتنا ، فأعطيناك ، فقلت : ما قلته" ، فزاده رسول الله صلى الله عليه
وسلم شيئا ، ثم قال :" أحسنت إليك ؟ " !
قال الأعرابي : نعم ، فجزاك الله من أهل وعشيرة خيرًا ..
فقال له النبي -صلى الله عليه وسلم- :" إنك كنت جئتنا فسألتنا ، فأعطيناك ، وقلت ما قلت ،
وفى أنفس أصحابي شيء من ذلك ، فإن أحببت فقل بين أيديهم ما قلت بين يدي ، حتى تذهب
من صدورهم ما فيها عليك " !!
قال : نعم .
فلما كان الغد أو العشي ، جاء فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : "إن صاحبكم هذا كان
جاء فسألنا ، فأعطيناه ، وقال ما قال ، وإنا دعوناه إلى البيت فأعطيناه فزعم أنه قد رضي ،
أكذلك؟"
قال الأعرابي : نعم ، فجزاك الله من أهل وعشيرة خيرا .
فقال النبي- صلى الله عليه وسلم -:" ألا إن مثلي ومثل هذا الأعرابي كمثل رجل كانت له ناقة
فشردت عليه ، فاتبعها الناس ، فلم يزيدوها إلا نفورًا ، فناداهم صاحب الناقة : خلوا بيني وبين
ناقتي ، فأنا أرفق بها وأعلم ، فتوجه لها صاحب الناقة بين يديها وأخذ لها من قمام الأرض ،
فردها هونا هونا هونا حتى جاءت واستناخت وشد عليها ، وإني لو تركتكم حيث قال الرجل ما
قال ، فقتلتموه، دخل النار !" [8] .
وهذا الموقف قد ازدحمت فيه العديد فضائل وأخلاق محمد، فاشتمل الموقف على وكرمه
وحسن تصرفه ولطفه ورفقه ، إلا جانب خلق العفو الذي سطرنا تحته الحديث– صلوات الله
وسلامه على صاحب الخلق العظيم - .