هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


من أجل حرية الرأى والرأى الآخر
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 علوم اللسان العربي ( عن ابن خلدون)

اذهب الى الأسفل 
3 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
دمعات قلب
مشرف منتدى الرأى العام
مشرف منتدى الرأى العام
avatar


عدد الرسائل : 1120
المزاج : وحيد
مزاجى : علوم اللسان العربي ( عن ابن خلدون) Storm_1248827209_1300081419
رقم العضوية : 19
النوع : علوم اللسان العربي ( عن ابن خلدون) 708634819
sms : سلاما علي الدنيا
اذا لم يكن بها صديقا صدوقا صادق الوعد منصفا

سبحان الله وبحمده .سبحان الله العظيم
تاريخ التسجيل : 04/03/2008

علوم اللسان العربي ( عن ابن خلدون) Empty
مُساهمةموضوع: علوم اللسان العربي ( عن ابن خلدون)   علوم اللسان العربي ( عن ابن خلدون) Icon_minitimeالسبت مارس 29, 2008 6:17 pm

السلام عليكم ورحمه الله

أركانه أربعة‏‏ و هي اللغة و النحو و البيان و الأدب‏.‏ و معرفتها ضرورية على أهل الشريعة إذ مأخذ الأحكام الشرعية كلها من الكتاب والسنة و هي بلغة العرب و نقلتها من الصحابة و التابعين عرب و شرح مشكلها من لغتهم فلا بد من معرفة العلوم المتعلقة بهذا اللسان لمن أراد علم الشريعة‏.‏ و تتفاوت قي التأكيد بتفاوت مراتبها في التوفية بمقصود الكلام حسبما يتبين في الكلام عليها فنا فنا‏.‏

و الذي يتحصل أن الأهم المقدم منها هو النحو إذ به يتبين أصول المقاصد بالدلالة فيعرف الفاعل من المفعول و المبتدأ من الخبر و لولاه لجهل أصل الإفادة‏.‏ و كان من حق علم اللغة التقدم لولا أن أكثر الأوضاع باقية في موضوعاتها لم تتغير بخلاف الإعراب الدال على الإسناد و المسند و المسند إليه فإنه تغير بالجملة و لم يبق له أثر‏.‏ فلذلك كان علم النحو أهم من اللغة إذ في جهله الإخلال بالتفاهم جملة و ليست كذلك اللغة‏ و الله سبحانه و تعالى أعلم وبه التوفيق‏.‏

علم النحو

اعلم أن اللغة في المتعارف هي عبارة المتكلم عن مقصوده‏.‏ و تلك العبارة فعل لساني ناشئ عن القصد بإفادة الكلام فلا بد أن تصير ملكة متقررة في العضو الفاعل لها و هو اللسان‏.‏ و هو في كل أمة بحسب اصطلاحاتهم‏.‏ و كانت الملكة الحاصلة للعرب من ذلك أحسن الملكات و أوضحها إبانة عن المقاصد لدلالة غير الكلمات فيها على كثير من المعاني‏.‏ مثل الحركات التي تعين الفاعل من المفعول من المجرور أعني المضاف. و مثل الحروف التي تفضي بالأفعال أي الحركات إلى الذوات من غير تكلف ألفاظ أخرى‏.‏ و ليس يوجد ذلك إلا في لغة العرب‏.‏ و أما غيرها من اللغات فكل معنى أو حال لا بد له من ألفاظ تخصه بالدلالة و لذلك نجد كلام العجم في مخاطباتهم أطول مما نقدره بكلام العرب‏.‏ و هذا هو معنى قوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ أوتيت جوامع الكلم و اختصر لي الكلام اختصارا ‏"‏‏.‏ فصار للحروف في لغتهم و الحركات و الهيآت و الأوضاع اعتبار في الدلالة على المقصود غير متكلفين فيه لصناعة يستفيدون ذلك منها‏.‏ إنما هي ملكة في ألسنتهم يأخذها الآخر عن الأول كما تأخذ صبياننا لهذا العهد لغاتنا‏.‏

فلما جاء الإسلام و فارقوا الحجاز لطلب الملك الذي كان في أيدي الأمم و الدول و خالطوا العجم تغيرت تلك الملكة بما ألقى إليها السمع من المخالفات التي للمتعربين من العجم‏.‏ و السمع أبو الملكات اللسانية ففسدت بما ألقي إليها مما يغايرها لجنوحها إليه باعتياد السمع‏.‏ و خشي أهل العلوم منهم أن تفسد تلك الملكة رأسا و يطول العهد بها فينغلق القرآن و الحديث على المفهوم فاستنبطوا من مجاري كلامهم قوانين لتلك الملكة مطردة شبه الكليات و القواعد يقيسون عليها سائر أنواع الكلام و يلحقون الأشباه بالأشباه‏.‏ مثل أن الفاعل مرفوع و المفعول منصوب و المبتدأ مرفوع‏.‏ ثم رأوا تغير الدلالة بتغير حركات هذه الكلمات فاصطلحوا على تسميته إعرابا و تسمية الموجب لذلك التغير عاملا و أمثال ذلك‏.‏ و صارت كلها اصطلاحات خاصة بهم فقيدوها بالكتاب و جعلوها صناعة لهم مخصوصة و اصطلحوا على تسميتها بعلم النحو‏.‏

و أول من كتب فيها أبو الأسود الدؤلي من بني كنانة و يقال بإشارة علي رضي الله عنه لأنه رأى تغير الملكة. فأشار عليه بحفظها ففزع إلى ضبطها بالقوانين الحاضرة المستقرأة. ثم كتب فيها الناس من بعده إلى أن انتهت إلى الخليل بن أحمد الفراهيدي أيام الرشيد أحوج ما كان الناس إليها لذهاب تلك الملكة من العرب‏.‏ فهذب الصناعة وكمل أبوابها‏.‏ و أخذها عنه سيبويه فكمل تفاريعها و استكثر من أدلتها و شواهدها و وضع فيها كتابه المشهور الذي صار إماما لكل ما كتب فيها من بعده‏.‏ ثم وضع أبو علي الفارسي و أبو القاسم الزجاج كتبا مختصرة للمتعلمين يحذون فيها حذو الإمام في كتابه‏.‏

ثم طال الكلام في هذه الصناعة و حدث الخلاف بين أهلها في الكوفة و البصرة‏ المصرين القديمين للعرب‏.‏ و كثرت الأدلة و الحجاج بينهم و تباينت الطرق في التعليم و كثر الاختلاف في إعراب كثير من آي القرآن باختلافهم في تلك القواعد و طال ذلك على المتعلمين‏.‏ و جاء المتأخرون بمذاهبهم في الاختصار فاختصروا كثيرا من ذلك الطول مع استيعابهم لجميع ما نقل كما فعله ابن مالك في كتاب التسهيل و أمثاله أو اقتصارهم على المبادئ للمتعلمين كما فعله الزمخشري في المفصل و ابن الحاجب في المقدمة له‏.‏ و ربما نظموا ذلك نظما مثل ابن مالك في الأرجوزتين الكبرى و الصغرى و ابن معطي في الأرجوزة الألفية‏.‏ و بالجملة فالتآليف في هذا الفن أكثر من أن تحصى أو يحاط بها و طرق التعليم فيها مختلفة. فطريقة المتقدمين مغايرة لطريقة المتأخرين‏.‏ و الكوفيون و البصريون و البغداديون و الأندلسيون مختلفة طرقهم كذلك‏.‏

و قد كادت هذه الصناعة أن تؤذن بالذهاب لما رأينا من النقص في سائر العلوم و الصنائع بتناقص العمران و وصل إلينا بالمغرب لهذه العصور ديوان من مصر منسوب إلى جمال الدين ابن هشام من علمائها استوفى فيه أحكام الإعراب مجملة و مفصلة‏.‏ و تكلم على الحروف و المفردات و الجمل و حذف ما في الصناعة من المتكرر في أكثر أبوابها و سماه بالمغني في الإعراب‏.‏ و أشار إلى نكت إعراب القرآن كلها و ضبطها بأبواب و فصول و قواعد انتظمت سائرها فوقفنا منه على علم جم يشهد بعلو قدره في هذه الصناعة و وفور بضاعته منها و كأنه ينحو في طريقته منحى نحاة أهل الموصل الذين اقتفوا آثر ابن جني و اتبعوا مصطلح تعليمه فأتى من ذلك بشيء عجيب دال على قوة ملكته و إطلاعه‏ و الله يزيد في الخلق ما يشاء.

علم اللغة

هذا العلم هو بيان الموضوعات اللغوية‏.‏ و ذلك أنه لما فسدت ملكة اللسان العربي في الحركات المسماة عند أهل النحو بالإعراب و استنبطت القوانين لحفظها كما قلناه‏.‏ ثم استمر ذلك الفساد بملابسة العجم و مخالطتهم حتى تأذى الفساد إلى موضوعات الألفاظ فاستعمل كثير من كلام العرب في غير موضوعه عندهم ميلا مع هجنة المتعربين في اصطلاحاتهم المخالفة لصريح العربية. فاحتيج إلى حفظ الموضوعات اللغوية بالكتاب و التدوين خشية الدروس و ما ينشأ عنه من الجهل بالقرآن و الحديث. فشمر كثير من أئمة اللسان لذلك و أملوا فيه الدواوين‏.‏ و كان سابق الحلبة في ذلك الخليل بن أحمد الفراهيدي‏.‏ ألف فيها كتاب العين فحصر فيه مركبات حروف المعجم كلها من الثنائي و الثلاثي و الرباعي و الخماسي و هو غاية ما ينتهي إليه التركيب في اللسان العربي‏.‏ و تأتى له حصر ذلك بوجوه عديدة حاصرة. و ذلك أن جملة الكلمات الثنائية تخرج من جميع الأعداد على التوالي من واحد إلى سبعة و عشرين و هو دون نهاية حروف المعجم بواحد‏.‏ لأن الحرف الواحد منها يؤخذ مع كل واحد من السبعة والعشرين فتكون سبعة و عشرين كلمة ثنائية‏.‏ ثم يؤخذ الثاني مع الستة و العشرين كذلك‏.‏ ثم الثالث و الرابع‏.‏ ثم يؤخذ السابع و العشرون مع الثامن و العشرين فيكون واحدا فتكون كلها أعدادا على توالي الأعداد من واحد إلى سبعة و عشرين. فتجمع كما هي بالعمل المعروف عند أهل الحساب و هو أن تجمع الأول مع الأخير و تضرب المجموع في نصف العدة‏.‏ ثم تضاعف لأجل قلب الثنائي لأن التقديم و التأخير بين الحروف معتبر في التركيب فيكون الخارج جملة الثنائيات‏.‏

وتخرج الثلاثيات من ضرب عدد الثنائيات فيما يجتمع من واحد إلى ستة و عشرين على توالي العدد لأن كل ثنائية تزيد عليها حرفا فتكون ثلاثية‏.‏ فتكون الثنائية بمنزلة الحرف الواحد مع كل واحد من الحروف الباقية و هي ستة وعشرون حرفا بعد الثنائية فتجمع من واحد إلى ستة و عشرين على توالي العدد و يضرب فيه جملة الثنائيات ثم تضرب الخارج في ستة جملة مقلوبات الكلمة الثلاثية فيخرج مجموع تركيبها من حروف المعجم‏.‏ و كذلك في الرباعي و الخماسي‏.‏ فانحصرت له التراكيب بهذا الوجه و رتب أبوابه على حروف المعجم بالترتيب المتعارف‏.‏ و اعتمد فيه ترتيب المخارج فبدأ بحروف الحلق ثم ما بعده من حروف الحنك ثم الأضراس ثم الشفة و جعل حروف العلة آخرا و هي الحروف الهوائية‏.‏ و بدأ من حروف الحلق بالعين لأنه الأقصى منها‏.‏ فلذلك سمي كتابه بالعين لأن المتقدمين كانوا يذهبون في تسمية دواوينهم إلى مثل هذا و هو تسميته بأول ما يقع فيه من الكلمات و الألفاظ‏.‏ ثم بين المهمل منها من المستعمل و كان المهمل في الرباعي و الخماسي أكثر لقلة استعمال العرب له لثقله و لحق به الثنائي لقلة دورانه و كان الاستعمال في الثلاثي أغلب فكانت أوضاعه أكثر لدورانه‏.‏ و ضمن الخليل ذلك كله في كتاب العين و استوعبه أحسن استيعاب و أوفاه‏.‏

وجاء أبو بكر الزبيدي و كتب لهشام المؤيد بالأندلس في المائه الرابعة فاختصره مع المحافظة على الاستيعاب و حذف منه المهمل كله و كثيرا من شواهد المستعمل و لخصه للحفظ أحسن تلحيص‏.‏ و ألف الجوهري من المشارقة كتاب الصحاح على الترتيب المتعارف لحروف المعجم فجعل البداءة منها بالهمزة و جعل الترجمة بالحروف على الحرف الأخير من الكلمة لاضطرار الناس في الأكثر إلى أواخر الكلم فيجعل ذلك بابا‏.‏ ثم يأتي بالحروف أول الكلمة على ترتيب حروف المعجم أيضا و يترجم عليها بالفصول إلى آخرها‏.‏ و حصر اللغة إقتداء بحصر الخليل‏.‏ ثم ألف فيها من الأندلسيين ابن سيده من أهل دانية في دوله علي بن مجاهد كتاب المحكم على ذلك المنحى من الاستيعاب و على نحو ترتيب كتاب العين‏.‏ و زاد فيه التعرض لاشتقاقات الكلم و تصاريفها فجاء من أحسن الدواوين‏.‏ و لخصه محمد بن أبي الحسين صاحب المستنصر من ملوك الدولة الحفصية بتونس‏.‏ و قلب ترتيبه إلى ترتيب كتاب الصحاح في اعتبار أواخر الكلم و بناء التراجم عليها فكانا توأمي رحم و سليلي أبوة‏.‏ و لكراع من أئمة اللغة كتاب المنجد و لابن دريد كتاب الجمهرة و لابن الأنباري كتاب الزاهر. هذه أصول كتب اللغة فيما علمناه‏.‏ و هناك مختصرات أخرى مختصة بصنف من الكلم و مستوعبة لبعض الأبواب أو لكلها إلا أن وجه الحصر فيها خفي و وجه الحصر في تلك جلي من قبل التراكيب كما رأيت‏.‏ و من الكتب الموضوعة أيضا في اللغة كتاب الزمخشري في المجاز و سماه أساس البلاغة بين فيه كل ما تجوزت به العرب من الألفاظ فيما تجوزت به من المدلولات و هو كتاب شريف الإفادة‏.‏

ثم لما كانت العرب تضع الشيء لمعنى على العموم ثم تستعمل في الأمور الخاصة ألفاظا أخرى خاصة بها فرق ذلك عندنا بين الوضع و الاستعمال. و احتاج الناس إلى فقه في اللغة عزيز المأخذ كما وضع الأبيض بالوضع العام لكل ما فيه بياض ثم اختص ما فيه بياض من الخيل بالأشهب و من الإنسان بالأزهر و من الغنم بالأملح حتى صار استعمال الأبيض في هذه كلها لحنا و خروجا عن لسان العرب‏.‏ و اختص بالتأليف في هذا المنحى الثعالبي و أفرده في كتاب له سماه فقه اللغة و هو من آكد ما يأخذ به اللغوي نفسه أن يحرف استعمال العرب عن مواضعه‏.‏ فليس معرفة الوضع الأول بكاف في التركيب حتى يشهد له استعمال العرب لذلك‏.‏ و أكثر ما يحتاج إلى ذلك الأديب في فني نظمه و نثره حذرا من أن يكثر لحنه في الموضوعات اللغوية في مفرداتها و تراكيبها و هو أشر من اللحن في الإعراب و أفحش‏.‏ و كذلك آلف بعض المتأخرين في الألفاظ المشتركة و تكفل بحصرها و إن لم يبلغ إلى النهاية في ذلك فهو مستوعب للأكثر‏.‏ و أما المختصرات الموجودة في هذا الفن المخصوصة بالمتداول من اللغة الكثير الاستعمال تسهيلا لحفظها على الطالب فكثيرة مثل الألفاظ لابن السكيت و الفصيح لثعلب و غيرهما‏.‏ و بعضها أقل لغة من بعض لاختلاف نظرهم في الأهم على الطالب للحفظ‏.‏ و الله الخلاق العليم لا رب سواه‏.‏

و اعلم أن النقل الذي تثبت به اللغة إنما هو النقل عن العرب أنهم استعملوا هذه الألفاظ لهذه المعاني لا تقل إنهم وضعوها لأنه متعذر و بعيد و لم يعرف أحد منهم‏.‏ و كذلك لا تثبت اللغات بقياس ما لم نعلم استعماله على ما عرف استعماله في ماء العنب باعتبار الإسكار الجامع‏.‏ لأن شهادة الاعتبار في باب القياس إنما يدركها الشرع الدال على صحة القياس من أصله‏.‏ و ليس لنا مثله في اللغة إلا العقل و هو محكم و على هذا جمهور الأئمة‏.‏ و إن مال إلى القياس فيها القاضي و ابن سريج و غيرهم‏.‏ لكن القول بنفيه أرجح‏.‏ و لا تتوهمن أن إثبات اللغة في باب الحدود اللفظية لأن الحد راجع إلى المعاني ببيان أن مدلول اللفظ المجهول الخفي هو مدلول الواضح المشهور و اللغة إثبات أن اللفظ كذا لمعنى كذا و الفرق في غاية ظهور‏.‏

علم البيان

هذا العلم حادث في الملة بعد علم العربية و اللغة و هو من العلوم اللسانية لأنه متعلق بالألفاظ و ما تفيده‏.‏ و يقصد بها الدلالة عليه من المعاني‏.‏ و ذلك أن الأمور التي يقصد المتكلم بها إفادة السامع من كلامه هي‏ إما تصور مفردات تسند و يسند إليها و يفضي بعضها إلى بعض و الدلالة على هذه هي المفرادت من الأسماء و الأفعال و الحروف. و إما تمييز المسندات من المسند إليها و الأزمنة و يدل عليها بتغير الحركات و هو الإعراب و أبنية الكلمات‏.‏ و هذه كلها هي صناعة النحو‏.‏ و يبقى من الأمور المكتنفة بالواقعات المحتاجة للدلالة أحوال المتخاطبين أو الفاعلين و ما يقتضيه حال الفعل و هو محتاج إلى الدلالة عليه لأنه من تمام الإفادة. و إذا حصلت للمتكلم فقد بلغ غاية الإفادة من كلامه‏.‏ و إذا لم يشتمل على شيء منها فليس من جنس كلام العرب فإن كلامهم واسع و لكل مقام عندهم مقال يختص به بعد كمال الإعراب و الإبانة‏.‏

ألا ترى أن قولهم‏ زيد جاءني مغاير لقولهم جاءني زيد ‏ من قبل أن المتقدم منهما هو الأهم عند المتكلم‏.‏ فمن قال‏ جاءني زيد أفاد أن اهتمامه بالمجيء قبل الشخص المسند إليه و من قال‏‏ زيد جاءني أفاد أن اهتمامه بالشخص قبل المجيء المسند‏.‏ و كذا التعبير عن أجزاء الجملة بما يناسب المقام من موصول أو مبهم أو معرفة‏.‏

و كذا تأكيد الإسناد في الجملة كقولهم‏ زيد قائم و إن زيدا قائم و إن زيدا لقائم متغايرة كلها في الدلالة و إن استوت من طريق الإعراب فإن الأول العاري عن التأكيد إنما يفيد الخالي الذهن. و الثاني المؤكد ب إن يفيد المتردد. و الثالث يفيد المنكر فهي مختلفة‏.‏ و كذلك تقول‏ جاءني الرجل ثم تقول مكانه بعينه جاءني رجل إذا قصدت بذلك التنكير تعظيمه و أنه رجل لا يعادله أحد من الرجال‏.‏

ثم الجملة الإسنادية تكون خبرية و هي التي لها خارج تطابقه أولا. و إنشائية و هي التي لا خارج لها كالطلب و أنواعه‏.‏ تم قد يتعين ترك العاطف بين الجملتين إذ كان للثانية محل من الإعراب‏‏ فينزل بذلك منزلة التابع المفرد نعتا أو توكيدا أو بدلا بلا عطف أو يتعين العطف إذا لم يكن للثانية محل من الإعراب‏.‏ ثم يقتضي المحل الإطناب أو الإيجاز فيورد الكلام عليهما‏.‏ ثم قد يدل باللفظ و لا يراد منطوقه و يراد لازمه إن كان مفردا كما تقول‏‏ زيد أسد فلا تريد حقيقة الأسد لمنطوقه و إنما تريد شجاعته اللازمة و تسندها إلى زيد و تسمى هذه استعارة‏.‏

و قد تريد باللفظ المركب الدلالة على ملزومه كما تقول زيد كثير رماد القدور و تريد به ما لزم ذلك عنه من الجود و قرى الضيف لأن كثره الرماد ناشئة عنهما فهي دالة عليهما‏.‏ و هذه كلها دلالة زائدة على دلالة الألفاظ من المفرد و المركب و إنما هي هيآت و أحوال للواقعات جعلت للدلالة عليها أحوال و هيآت في الألفاظ كل بحسب ما يقتضيه مقامه فاشتمل هذا العلم المسمى بالبيان على البحث عن هذه الدلالات التي للهيآت و الأحوال و المقامات و جعل على ثلاثة أصناف‏.

الصنف الأول يبحث فيه عن هذه الهيأت و الأحوال التي تطابق باللفظ جميع مقتضيات الحال و يسمى علم البلاغة. و الصنف الثاني يبحث فيه عن الدلالة على اللازم اللفظي و ملزومه و هي الاستعارة و الكناية كما قلناه و يسمى علم البيان‏.‏ و ألحقوا بهما صنفا آخر و هو النظر في تزيين الكلام و تحسينه بنوع من التنميق‏‏ إما بسجع يفصله أو تجنيس يشابه بين ألفاظه أو ترصيع يقطع أوزانه أو تورية عن المعنى المقصود لإيهام معنى أخفى منه لاشتراك اللفظ بينهما أو طباق بالتقابل بين الأضداد و أمثال ذلك و يسمى عندهم علم البديع‏.‏ و أطلق على الأصناف الثلاثة عند المحدثين اسم البيان و هو اسم الصنف الثاني لأن الأقدمين أول ما تكلموا فيه‏.‏ ثم تلاحقت مسائل الفن واحدة بعد أخرى و كتب فيها جعفر بن يحيى و الجاحظ و قدامة و أمثالهم إملاءات غير وافية فيها‏.‏

ثم لم تزل مسائل الفن تكمل شيئا فشيئا إلى أن مخض السكاكي زبدته و هذب مسائله و رتب أبوابه على نحو ما ذكرناه آنفا من الترتيب و ألف كتابه المسمى بالمفتاح في النحو و التصريف و البيان فجعل هذا الفن من بعض أجزائه‏.‏ و أخذه المتأخرون من كتابه و لخصوا منه أمهات هي المتداولة لهذا العهد كما فعله السكاكي في كتاب التبيان و ابن مالك في كتاب المصباح و جلال الدين القزويني في كتاب الإيضاح و في كتاب التلخيص و هو أصغر حجما من الإيضاح والعناية به لهذا العهد عند أهل المشرق في الشرح و التعليم منه أكثر من غيره‏.‏

و بالجملة فالمشارقة على هذا الفن أقوم من المغاربة و سببه و الله أعلم أنه كمالي في العلوم اللسانية و الصنائع الكمالية توجد في وفور العمران‏.‏ و المشرق أوفر عمرانا من المغرب كما ذكرناه‏.‏ أو نقول لعناية العجم و هم معظم أهل المشرق كتفسير الزمخشري و هو كله مبني على هذا الفن بل هو أصله‏.‏

و إنما اختص بأهل المغرب من أصنافه علم البديع خاصة و جعلوه من جملة علوم الأدب الشعرية و فرعوا له ألقابا و عددوا أبوابا و نوعوا أنواعا‏.‏ و زعموا أنهم أحصوها من لسان العرب و إنما حملهم على ذلك الولوع بتزيين الألفاظ و أن علم البديع سهل المأخذ‏.‏ و صعبت عليهم مآخذ البلاغة و البيان لدقة أنظارهما و غموض معانيهما فتجافوا عنهما‏.‏ و ممن ألف في البديع من أهل إفريقية ابن رشيق و كتاب العمدة له مشهور‏.‏ و جرى كثير من أهل إفريقية و الأندلس على منحاه‏.‏

و اعلم أن ثمرة هذا الفن إنما هي في فهم الإعجاز من القرآن لأن إعجازه في وفاء الدلالة منه بجميع مقتضيات الأحوال منطوقة و مفهومة. و هي أعلى مراتب الكمال مع الكلام فيما يختص بالألفاظ في انتقائها و جودة رصفها و تركيبها. و هذا هو الإعجاز الذي تقصر الأفهام عن إدراكه‏.‏ و إنما يدرك بعض الشيء منه من كان له ذوق بمخالطة اللسان العربي و حصول ملكته فيدرك من إعجازه على قدر ذوقه‏.‏

فلهذا كانت مدارك العرب الذين سمعوه من مبلغه أعلى مقاما في ذلك لأنهم فرسان الكلام و جهابذته و الذوق عندهم موجود بأوفر ما يكون و أصحه‏.‏ و أحوج ما يكون إلى هذا الفن المفسرون و أكثر تفاسير المتقدمين غفل منه حتى ظهر جار الله الزمخشري و وضع كتابه في التفسير و تتبع آي القرآن بأحكام هذا الفن بما يبدي البعض من إعجازه. فانفرد بهذا الفضل على جميع التفاسير لولا أنه يؤيد عقائد أهل البدع عند اقتباسها من القرآن بوجوه البلاغة‏.‏ و لأجل هذا يتحاماه كثير من أهل السنة مع وفور بضاعته من البلاغة‏.‏ فمن أحكم عقائد السنة و شارك في هذا الفن بعض المشاركة حتى يقتدر على الرد عليه من جنس كلامه أو يعلم أنها بدعة فيعرض عنها و لا تضره في معتقده فإنه يتعين عليه النظر في هذا الكتاب للظفر بشيء من الإعجاز مع السلامة من البدع و الأهواء‏‏ و الله الهادي من يشاء إلى سواء السبيل‏.‏


اسف يا جماعه الخط مش كويس بس انا عندي مشكله في الصفحه

واتمني ان تنال اعجابكم


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
skamalo
مشرف قسم اللغات
مشرف قسم اللغات
skamalo


عدد الرسائل : 120
العمل/الترفيه : مهندس من ايام المهندسخانه
مزاجى : علوم اللسان العربي ( عن ابن خلدون) 297297218
البلد : علوم اللسان العربي ( عن ابن خلدون) Male_e10
رقم العضوية : 37
sms : <!--- MySMS By AlBa7ar Semauae.com --><form method="POST" action="--WEBBOT-SELF--"> <!--webbot bot="SaveResults" u-file="fpweb:///_private/form_results.csv" s-format="TEXT/CSV" s-label-fields="TRUE" --><fieldset style="padding: 2; width:208; height:104"> <legend><b>My SMS</b></legend> <marquee onmouseover="this.stop()" onmouseout="this.start()" direction="up" scrolldelay="2" scrollamount="1" style="text-align: center; font-family: Tahoma; " height="78">مرحبا بكم فى منتديات عشاق القمر</marquee></fieldset></form><!--- MySMS By AlBa7ar Semauae.com -->
تاريخ التسجيل : 18/03/2008

علوم اللسان العربي ( عن ابن خلدون) Empty
مُساهمةموضوع: رد: علوم اللسان العربي ( عن ابن خلدون)   علوم اللسان العربي ( عن ابن خلدون) Icon_minitimeالإثنين مارس 31, 2008 4:00 am

مشكور اخى دمعات
مجهود طيب
لا تحرمنا من مزيدك
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
Nermine
مشرفة منتدى الصحة و منتدى عجائب و طرائف
Nermine


عدد الرسائل : 317
العمر : 41
العمل/الترفيه : طبيبه
مزاجى : علوم اللسان العربي ( عن ابن خلدون) 811
رقم العضوية : 4
sms : <!--- MySMS By AlBa7ar Semauae.com --><form method="POST" action="--WEBBOT-SELF--"> <!--webbot bot="SaveResults" u-file="fpweb:///_private/form_results.csv" s-format="TEXT/CSV" s-label-fields="TRUE" --><fieldset style="padding: 2; width:208; height:104"> <legend><b>My SMS</b></legend> <marquee onmouseover="this.stop()" onmouseout="this.start()" direction="up" scrolldelay="2" scrollamount="1" style="text-align: center; font-family: Tahoma; " height="78">مرحبا بكم فى منتديات عشاق القمر</marquee></fieldset></form><!--- MySMS By AlBa7ar Semauae.com -->
تاريخ التسجيل : 16/02/2008

علوم اللسان العربي ( عن ابن خلدون) Empty
مُساهمةموضوع: رد: علوم اللسان العربي ( عن ابن خلدون)   علوم اللسان العربي ( عن ابن خلدون) Icon_minitimeالثلاثاء أبريل 01, 2008 9:25 pm

بارك الله فيك اخى دمعات تقبل مرورى المتواضع strong
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
علوم اللسان العربي ( عن ابن خلدون)
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
 :: منتديات العلوم :: منتدى لغتنا العربية الجميلة-
انتقل الى: